• ٦ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هل يكون الأمن العراقي ضحية تقاسم الأدوار؟

د. حسين أحمد السرحان

هل يكون الأمن العراقي ضحية تقاسم الأدوار؟

الانسحاب الأميركي من سوريا

استفادت داعش من العمق الإستراتيجي لجبهتها السورية وهو العراق والأراضي الواسعة والمفتوحة غربي العراق وحقّقت نجاح بداية صعودها في تحقيق الانتشار والتمدّد في هذا العمق. لذلك أي حديث عن مواجهة داعش الإرهابي في سوريا يضفي على القوات الأمنية العراقية مزيداً من التركيز والاستعداد.

كثيرة هي الأسئلة التي راودت دوائر صـنع القرار السياسي والإعلامي على مستوى العالم وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط - بؤرة الأزمات والـصـراعات، بشكل خاص حول قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب العسكري الأميركي خلال شهر من سوريا. وهذه الأسئلة تتمحوّر حول، هل أنّ الانسحاب جاء بعد تصريحات لمسؤولين في البيت الأبيض بأنّ قواتهم اقتربت من القضاء على تنظيم داعش الإرهابي؟ وهل ستنسحب الولايات المتحدة من سوريا خدمة لتركيا في إزالة عقبة القوات الأمريكية المتمركزة في مناطق الأكراد الانفصاليين – كما تراهم تركيا - عن الحملة العسكرية التي تعدّ لها تركيا شرق الفرات، أم خوفاً من الانغماس في مستنقع سوريا، أم تلبية للطلب الروسي الذي أكّد على أنّ خروج أمريكا سيحل الأزمة السورية، أم أنّه، كما يقول البعض تطبيقاً لإستراتيجية الانكفاء على الذات التي بدأها أوباما ورسّخها ترامب بشعاره الانتخابي (أمريكا أولا) وهو ما سيقلّل نفقات أمريكا في بؤر الصراع؟ ولكن كيف ستترك الولايات المتحدة الساحة السورية لإيران والأطراف التابعة لها؟

بداية، قرار الانسحاب، كما هو معروف، ليس جديداً، فقد تأجّل ستة أشهر من قبل بناء على توصية وزير الدفاع الأميركي ماتيس. وحول سبب الانسحاب، أكّد مسؤولون في البنتاغون أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمر يوم الأربعاء 19/ كانون الأوّل/ 2018 بانسحاب القوات الأميركية من سوريا البالغ عددها 2000 جندي من القوات البرية الأميركية خلال شهر، معللاً ذلك بأنّ الولايات المتحدة قد ربحت الحرب التي قادتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش الإرهابي منذ أربعة أعوام عند تشكيل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا في أواخر 2014. وهذا ما أكّده الرئيس ترامب في تغريده له في حسابه على موقع تويتر «إنّ الولايات المتحدة هزمت داعش في سوريا، وهو السبب الوحيد الذي يدعونا للبقاء في سوريا خلال مدّة رئاستي».

يبقى السؤال، هل ترفع الولايات المتحدة يدها نهائياً من سوريا في ظل تعقيد المعادلة الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط؟ أم إنّ هناك تقاسم أدوار أراد الرئيس ترامب من خلاله أن يقول إنّ القضاء على داعش هو هدف القوات الأميركية هناك وهذا الهدف تحقّق الشيء الكثير منه؟

إذا ما تتبعنا طبيعة الانسحاب وفقاً لتصريحات بعض مسؤولي الولايات المتحدة والخبراء فيها، نجد أنّه لا يمكن للولايات المتحدة أن تركن نفسها بعيداً عن الأزمة السورية والتخلي عن أوروبا التي أوكلت ملف الأزمة من أوّل يوم لأمريكا ممثلاً للغرب فيها، ولم تتدخل أوروبا إلّا بعد أن تهدد أمنها بهجرة اللاجئين، وهي الورقة التي تلعب بها تركيا حتى الآن مع أوروبا، ومن مصلحة كلّ من أمريكا وأوروبا تحجيم الدور التركي الذي تمثّل إدارته إزعاجاً شديداً لهما لاسيّما بعد تطوّر قدراتها العسكرية والاقتصادية وكذلك تطوّر علاقاتها الخارجية بصناعة أوراق لعب أهلتها للجلوس على طاولة الكبار على الأقل في أزمات المنطقة. كما إنّ الولايات المتحدة لا يمكن أن تترك المجال متاحاً بهذه السهولة للقوات الإيرانية والمجموعات المرتبطة بها لتهدد أمن إسرائيل عبر سوريا بيضة القضبان بما سُمّي سابقاً «الهلال الشيعي».

لذا، فإنّ انسحاب القوات الأميركية من سوريا لا يعني انتهاء مهام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا. إذ أكّد مسؤولون في البنتاغون اليوم الأربعاء 19/12/2018 أنّ القوات الأميركية الجوية ستواصل استهدافها جوياً لعناصر داعش في سوريا وذلك بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات الكردية. إذ أكّد المتحدث باسم البنتاغون كول (روب ماننغ) عشية قرار الانسحاب: «في هذا الوقت، نستمر في العمل مع شركائنا ومن خلالهم في المنطقة». ولهذا لاحظنا أنّ البنتاغون يوم 29 كانون الأوّل 2018 توجه النُّصح للقوات الكردية بأن تحتفظ بسلاحها.

وأكّد هذا الرأي رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في واشنطن ريتشارد هاس، في تغريده له في حسابه على موقع على تويتر بعد القرار: «إنّه لا يمكن أن يأمل أحد أنّ الانسحاب الأميركي من سوريا سيكون غير مشروط. وإلّا فإنّ هكذا انسحاب سيكون خطأ من الناحية الإستراتيجية والأخلاقية، إذ سيترك الأكراد والقوات الكردية لمصيرهم في مواجهة تركيا، وسيترك الشعب السوري في مواجهة نظام الأسد وإيران وروسيا».

لذا بالإمكان القول، إنّ هناك تقاسم أدوار جديد بين اللاعبين الكبار الولايات المتحدة وروسيا وتركيا في الملف السوري. فإن كانت أمريكا في ظل إدارتي أوباما وترامب أرسلت إشارات بأنّه ليس لديها مصلحة جيوستراتيجية أو أمنية للتورط بشكل عميق في الأزمة السورية، إلّا أنّه ومع تنامي المناكفات بين كلّ من إدارة ترامب وأردوغان فإنّ الوجود الأمريكي في سوريا سيبقى ولو في شكل استخباراتي أو نفوذ في مناطق محدّدة يمكن بها أن تبقى في واحدة من أهم مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وهو ما يعني أنّ عملية شرق الفرات التي تنوي تركيا القيام بها تحتاج إلى مزيد من الترتيبات التي ستقدّم فيها الأطراف الفاعلة تنازلات قد تكون من بينها تمرير تركيا لتسوية سياسية في سوريا، وهو ما أكّده وزير خارجيتها، حين قال أنّ بلاده لا تمانع من التعامل مع الأسد فيما لو أتت به انتخابات (ديمقراطية)، وهو ما يتنافى مع الموقف التركي السابق، لكنّه في نفس الوقت يتوافق مع الموقف الأمريكي من نظام الأسد.

من جانبها أكّد اجتماع وزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا يوم السبت 29 كانون الأوّل 2018 أنّهما سيعملان سوية لقضاء على بقايا تنظيم داعش الإرهابي في سوريا وهو ما وعد به الرئيس أردوغان ترامب خلال الاتصال الهاتفي بينهما كما تناقلت بعض وسائل الإعلام.

كيف يؤثّر ذلك على الأمن العراقي؟

محصلة ما سبق ستكون حملة كبيرة ضد ما تبقى تنظيم داعش الإرهابي في سوريا من قبل التحالف الدولي بالتنسيق مع قوات «قسد» والقوات التركية والروسية وقوات النظام السوري.

استفادت داعش من العمق الإستراتيجي لجبهتها السورية وهو العراق والأراضي الواسعة والمفتوحة غربي العراق وحقّقت نجاح بداية صعودها في تحقيق الانتشار والتمدّد في هذا العمق. لذلك أي حديث عن مواجهة داعش الإرهابي في سوريا يضفي على القوات الأمنية العراقية مزيداً من التركيز والاستعداد لسد هذا العمق الإستراتيجي أمام عناصر التنظيم وهذا بحدِّ ذاته يكلّف كثيراً، إذ هناك ترابط حدودي يمتد لأكثر من 600 كم. على الرغم من سيطرة القوات العراقية على هذا الشريط الحدودي في أغلبه وقيام القوّة الجوية العراقية باستهداف تجمعات واجتماعات التنظيم داخل الأراضي السورية. ولغرض أن يكون الأمن العراقي غير متأثّر سلباً من تلك الحملة، على الحكومة العراقية أن تكون شريك في تلك الحملة عبر الآتي:

- استمرار التنسيق مع التحالف الدولي المستمر في عمله في مواجهة داعش في العراق وسوريا وتبنّي دوراً أمنياً قائماً على استهداف عناصر التنظيم وتجمعاتهم داخل الأراضي السورية القريبة من الحدود العراقية لتجنّب أن تكون القوات البرية العراقية في موقع الدفاع على الحدود وأن يتحدّد دورها في صد التعرّضات التي قد لا تنجح إذا ما اعتمد التنظيم أسلوب التعرّضات الممتدّة طولياً وبوقت واحد. الأمر الذي يتطلّب الاستمرار في العمل داخل قيادة العمليات المشتركة.

- العراق هو أحد أطراف اللجنة الأمنية الرباعية التي تضمّ (العراق، روسيا، وإيران، وسوريا). وفي ظل التغير في المواقف والأدوار، مطلوب من الحكومة العراقية إعادة التنسيق الأمني مع تلك الأطراف مع أولوية الحفاظ على ما تحقّق في العراق من هزيمة للتنظيم الإرهابي.

- التنسيق مع الجانب التركي على أعلى المستويات الأمنية حول عملية شرق الفرات التي تعدّ لها القوات التركية، للتصدي لعناصر التنظيم داخل الأراضي السورية وليس للمشاركة في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية أو القوات الكردية الأُخرى، فهذا شأن سياسي على العراق أن يكون له موقف آخر.

- سياسياً، العراق ملتزم بموقفه السياسي من الأزمة السورية وهو أن يحدّد الشعب السوري نظامه الحاكم وحكّامه بعيداً عن العنف. وهذا الثبات شيء موضوعي بحاجة الى تعزيز أكثر لاسيّما مع تغير الموقف التركي من نظام الأسد والذي يتفق مع موقف الإدارة الأميركية، كما أشرنا في آعلاه.

- كذلك، أي مطالبة لخروج القوات الأميركية من العراق يجب أن تؤجّل لأشعار آخر على أن تتوفر المقومات الموضوعية الأمنية والسياسية لذلك الانسحاب وفي ظل بيئة إقليمية مؤاتية، ولا يجب الاحتكام لإرادات إقليمية أو انفعالات عاطفية لهذا الطرف أو ذاك بعيدة عن الواقع وربّما تقود إلى تكرّر سيناريو 2014 المدمر الذي لازالت كلفهُ باهظة. فالقوات الأميركية موجودة بشكل شرعي وبموجب اتفاقية أمنية مصادق عليها من قبل مجلس النواب. لذا نرى وجوب الاستمرار بهذه الاتفاقية وتعزيز التنسيق مع الجانب الأميركي لاسيّما وأنّنا في مرحلة استكمال بناء مؤسساتنا الأمنية.

ارسال التعليق

Top